تحدثنا في الحلقة السابقة عن تفجر العداء بين كاسترو والولايات المتحدة بسبب تأميم شركات النفط الامر الذى حول كوبا من صداقة امريكا الى ساحة للحرب الباردة وتطرقنا أيضا الى ازمة خليج الخنازير وحكاية الحمامه التي حطت على كتفه. وفي هذه الحلقة نتعرف على الزعيم الكوبي في سنوات التحول الاولى ولقائه مع الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون والذى تسبب في ازمة وموقفه من غزو العراق للكويت ثم نتعرف على اجتماعه مع الرئيس ميخائيل جورباتشوف وبلاغه بأن المساعدات السوفيتية ستشح في المستقبل.
أخذ جدار برلين ينهار في أوروبا الشرقية، وأخذ السوفيت يواجهون المشاكل في عقر دارهم. توجه ميخائيل جورباتشوف إلى كوبا لإبلاغ كاسترو بأن المساعدات السوفيتية ستشح في المستقبل. انهار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية أيضا. ومع هذا الانهيار وقعت كارثة لا يمكن التقليل من أهميتها، طالت كل شيء وكان تأثيرها على المعنويات كبيرا ولم ينج منها أحد.
وحيال مرحلة جديدة من النضال، وجد فيديل في فتح الأبواب الواسعة لاستقبال السياح والاستثمارات الأجنبية أمرا لا بد منه إذا أرادت كوبا الحصول على الحد الأدنى من العملة الصعبة اللازمة. تطلب ذلك جعل الدولار الأمريكي متداولا بطريقة مشروعة. أدى ذلك لسوء الحظ إلى خلق ظروف من التفاوت في الإمكانات المادية الآخذة بالتنامي رغم توفير الاحتياجات الأساسية والأولية من مواد غذائية وتربية وتعليم وعناية صحية لجميع المواطنين دون استثناء.واستمر العداء الكوبي الأمريكي حتى في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون المتساهل. ووصلت علبة سيجار من فيديل إلى البيت الأبيض، ولكنها سببت إحراجا سياسيا، فأبعدت عن الرئيس وكأنها تحمل فيروسا خطيرا.
ومنذ القطيعة مع الاتحاد السوفيتي السابق، طلبت كوبا من الصين العون لإيجاد بديل من النفط ومشتقاته. حينذاك قدمت الصين لكوبا مئات الآلاف من الدراجات الهوائية. اليوم، تشير الأرقام الرسمية إلى أن في كوبا أكثر من مليوني دراجة وخمسة مصانع لإنتاجها. وكيّف الكوبيون الدراجات الهوائية مع حاجاتهم: منهم من جعلها باصاً مدرسياً لنقل الطلاب، أو أضاف إليها مظلة وكرسياً وحوّلها وسيلة نقل سياحية للقيام بجولة في المدينة.
مصافحة كلينتون
كاد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يتعرض للتحقيق في شأن لقائه مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، لولا ان فريق عمله الذي كان يرافقه في قمة الألفية الثالثة في الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر 2000 م، انقذه، قبل ان يصبح شبح فيدل وكأنه شبح مونيكا لوينسكي.. وقصة لقاء كلينتون مع كاسترو يرويها الرئيس الأمريكي بنفسه فيقول: تم تحميل الحادثة أكثر مما تستحق، ضخّموها، محاولين استهدافي للمرة الثانية، وكأنه بذلك يوحي بقصته مع مونيكا لوينسكي المعروفة . كذلك الحال في قصته مع كاسترو بعدما صافحه، وهي المرة الاولى التي يصافح فيها رئيس أمريكي الرئيس الكوبي منذ أربعين عاما. وعنها قال كلينتون انه وقف لالتقاط الصور مع الرئيس الصيني جيانغ زيمين وسط عدد من القادة في القاعة الرئيسية للأمم المتحدة.. كنت اتحدث اليهم وعندما استدرت اذا بكاسترو واقفا هناك، كما لو انه جاء وانتظر، لكن المصافحة استغرقت ثواني معدودات فقط، هذا كل ما حدث.
هذه هي رواية كلينتون، لكن اللقاء الأمريكي الكوبي، على الرغم من قصره، اثار حفيظة البيت الأبيض واضطر لإصدار بيان يقلل من أهميته. لكن الطاقم المرافق لكلينتون خشي ان يتحول اللقاء مع كاسترو الى قضية كلقاء أو لقاءات كلينتون مع مونيكا، فلم توجه الدعوة لكاسترو لحضور مأدبة عشاء على شرف الزعماء المشاركين في القمة في مقر متحف متروبوليتان وكان كاسترو الوحيد الغائب عنها من بين حوالى مئة وخمسين رئيس دولة وحكومة، وقالت اوساط مطلعة ان كاسترو لم يشعر بأي حرج، كما شعر الامريكيون.
علاقات كاسترو الخارجية وضعته في تناقضات كثيرة وتغير العالم حوله لكنه صمد. فالجغرافيا وضعت الرجل بنظام حكمه الشيوعي على مرمى حجر من القوة العظمى الأولى أمريكا في عالم ثنائي القطبية مع الاتحاد السوفيتي السابق، دعك من رحيل جميع الزعامات التي عاصرها بدءا من الرئيس المصري جمال عبد الناصر والهندي جواهر لال نهرو ونهاية بالرؤساء أيزنهاور ونيكسون وجونسون وريغان من أمريكا، وخروتشوف وبرجنيف، وتشرننكو وأندروبوف من الاتحاد السوفياتي، وماوتسي تونغ وشوان لاي ودينغ هيساو بينغ من الصين، دعك عن تيتو وشاوسسكو وديجول في المحيط الأوروبي، وقد عاصر كاسترو جميع هؤلاء، ويرى البعض انه آخر الثوريين في العالم.. رفيق جيفارا وبطل الكفاح المسلح والثورة العالمية ويرى البعض الاخر فيه دكتاتورا يحكم جزيرة السكر والتبغ بالحديد والنار اما الكوبيون فقد ينتقدون رفاقه في الحكم ويحلم البعض بشواطئ ميامي.
اما الحديث عن فيديل كاسترو فهو شيء آخر.. الاكثرية ترى فيه رمزا كوبيا.. فهو لا يملك قصورا ويعيش كجندي في قصر الثورة وحين يتحدث معه رفاقه فإنهم ينادونه باسمه الاول دون ألقاب.. لم تفارقه روح النكتة ولا اللغة البليغة التي ينتقد فيها خصومه.. لذلك نفهم كيف ان ملايين الكوبيين يتجمعون في ساحة الثورة في اكثر من مناسبة ليستمعوا اليه سبع ساعات او اكثر دون ملل وهو واقف امامهم كالساحر متنقلا من موضوع الى آخر دون ان ينسى ادراج نكاته اللاذعة في هذه الخطب.
غزو الكويت حماقة
قيل ان كوبا وقفت مع العراق في غزوه للكويت وهو تحليل سطحي لبعض جلسات مجلس الامن آنذاك. لقد قدم العراق منحا وقروضا ومساعدات كبيرة الى كوبا قبل الحرب العراقية الايرانية وقد ساهم ذلك في اقامة علاقات متميزة الا ان الكوبيين لم يتزحزحوا قيد انملة عن سياستهم والاسس التي ترتكز عليها.. كان يهم صدام حسين ان يكون صديقا لفيديل كاسترو ولكن الزعيم الكوبي لم يكن بحاجة الى ذلك. وعندما اندلعت الحرب العراقية الايرانية اعتقد كاسترو انها مناوشات حدودية سرعان ما ينطفئ اوارها او انها تدور حول آبار النفط وعندما ايقن انها الحرب كان وقع ذلك صعبا عليه وكان يرى فيها دمارا هائلا للبلدين.. كانت كوبا ترأس آنذاك حركة عدم الانحياز وبذلت قصارى جهدها في ايقاف الحرب الا انها لم تفلح في ذلك وكان مقررا ان ترأس بغداد الحركة بعد انتهاء الفترة الكوبية الا ان الكوبيين رأوا في ذلك استحالة وانحيازا لا مبرر له وقد ذكروا ان بغداد لا تصلح مقرا لرئاسة المؤتمر طالما انها في حالة حرب.. وحدثت قطيعة كوبية عراقية لفترة وجيزة تنازل فيها النظام عن رئاسة الحركة رغما عنه. ظلت كوبا محافظة على علاقات جيدة مع الدولتين رغم صعوبة ذلك.
رأت كوبا في غزو الكويت حماقة كبيرة واذا كان ممثلها في الامم المتحدة قد اعترض على الحصار فلأن كوبا نفسها تعاني حصارا منذ مطلع الستينات.
وفي اواخر عام 1990 ارسلت كوبا وفدا رفيع المستوى الى بغداد في محاولة منها للانسحاب العراقي من الكويت وتجنب اذى كبير من جراء عدم الانصياع للمطالب الدولية.. كان نائب رئيس الوزراء آنذاك فرناندس يرأس الوفد (وهو الذي استولى على هافانا اثناء انتصار الثورة الكوبية وكان من اصدقاء ارنست همنغواي). وبعد اسبوع عاد من بغداد وقال انه ابلغ (الرئيس صدام) ضرورة الانسحاب لكنه لم يفلح في اقناعه.
وكثيرا ما كان كاسترو ينتقد سياسة صدام بشكل مهذب ، كان يقول مثلا اننا لا يمكن ان نهاجم القوات الامريكية في قاعدة جوانتانامو لاننا نعطي تبريرا لاحتلال الجزيرة.. اننا نقوم بدورنا الاممي في افريقيا وفي امريكا اللاتينية.
بعد تنظيم الثورة في كوبا قامت الحكومة الكوبية بتقديم المساعدات لدول العالم الثالث فأرسلت بعثات طبية إلى هذه البلدان بالإضافة إلى المنح الدراسية التي قدمتها إلى شعوب العالم الثالث، كذلك قامت كوبا بنصرة الدول المظلومة والوقوف بجانبها ومساعدتها عندما قامت قوات جنوب إفريقيا باحتلال ناميبيا طلبت الأخيرة مساعدة كوبا فأرسلت كوبا قواتها لمساندة ناميبيا واستطاعت تحريرها وقد قتل 2500 كوبي في هذا المعركة.
أولمرت أسوأ من شارون
عندما بدأت القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية في لبنان في يوليو 2006 كان كاسترو بالأرجنتين مشاركاً في مؤتمر التجارة لدول أمريكا اللاتينية وأجرت معه محطة التلفزيون الفنزويلية الحكومية لقاءً للتعليق على العمليات الإسرائيلية في لبنان، فقال: (يبدو أن الجناة هم من المجانين ويبدو أن المدعو أولمرت اسوأ من سابقه شارون).
ولكن كاسترو رغم كره واشنطن الشديد له بدأ يحوز على تعاطف العالم معه بشأن الحصار الأمريكي الذي استمر 45 عاما .
في قرارها 60/12 المعنون «ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا»، طلبت الجمعية العامة إلى الأمين العام أن يعد - بالتشاور مع الأجهزة والوكالات المختصة في منظومة الأمم المتحدة- ، تقريرا عن تنفيذ هذا القرار في ضوء مقاصد ومبادئ الميثاق والقانون الدولي، وأن يقدمه إلى الجمعية العامة في دورتها الحادية والستين العام 2006 .
وعملا بذلك الطلب، دعا الأمين العام الحكومات وأجهزة منظومة الأمم المتحدة ووكالاتها، في مذكرة شفوية مؤرخة 5 مايو 2006، إلى تزويده بأي معلومات قد تود الإسهام بها في إعداد تقريره.
وقد توالت الردود المتعاطفة معه، إذ رأى الاتحاد الأوروبي أن سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا قضية ثنائية أساسا. ومع ذلك، ما فتئ الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يعربون بوضوح عن معارضتهم لتمديد الولايات المتحدة الحصار المفروض خارج حدودها الإقليمية، من قبيل ما هو وارد في قانون الديمقراطية في كوبا لسنة 1992 وقانون هيلمز- بيرتون لسنة 1996.
أما روسيا فلم تحد عن موقفها منذ العام 1992 حيث تؤيد، في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، القرار المعنون «ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا»، ولا تحيد عن موقفها من عدم السماح باتخاذ تدابير انفرادية، خارج حدودها الإقليمية، في العلاقات الدولية. فأي تدابير من هذا القبيل في عالم اليوم ستحقق نتائج عكسية.
وقالت روسيا إنها مقتنعة بأن إنهاء الحصار وتطبيع العلاقات الأمريكية الكوبية من شأنهما أن يساعدا على إعادة الأوضاع السليمة المحيطة بكوبا، وأن يزيدا من مشاركتها في الجهود العالمية والإقليمية. وروسيا، شأنها شأن الغالبية العظمى لأعضاء الأمم المتحدة، تندد بالحصار وتنادي برفعه فورا. وقد أدلت جمهورية إكوادور بصوتها لصالح قرار الجمعية العامة 60/12، وستواصل إدانتها لتطبيق أي تدابير انفرادية ذات طابع اقتصادي وتجاري ضد كوبا.وترى حكومة جمهورية إندونيسيا أن تطبيق تدابير اقتصادية وتجارية انفرادية خارج حدودها الإقليمية يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. كما كررت حكومة أنغولا الإعراب عن تأييدها غير المشروط لإنهاء الحصار.
في حين قالت أوروجواي انها لا تعترف في تشريعاتها بتنفيذ قوانين أي دول أخرى خارج حدود تلك الدول. فهي ترى أن هذه الممارسات، إلى جانب مساسها بأحكام القانون الدولي المتعارف عليها، تشكل نوعا من الضغوط التي تعرقل الحوار ولا تيسره. وتقيم أوغندا علاقات تجارية طبيعية مع جمهورية كوبا ولا تشارك في فرض الحصار. وتؤيد كوبا أيضا أوكرانيا، وإيران وباراغواي والبرازيل، وبنما، وبنين، وبوتسوانا، وبوركينا فاسو، وبوروندي، وبوليفيا، وبيرو، وبيلاروسيا، وتايلند، وتركمانستان، وتركيا، وترينيداد وتوباغو، وتوغو، وتونس، وجامايكا، والجزائر، والجماهيرية العربية الليبية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الدومينيكان، والجمهورية العربية، السورية، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وجنوب أفريقيا، ورومانيا وزامبيا، وزمبابوي، وسان تومي وبرينسيب، وسان مارينو، وسري لانكا، والسنغال، و سوازيلند، والسودان، وسيشيل، وشيلي، والصين، وغامبيا، وجرينـادا، وجواتيمالا، وغيـانـا، وغينيا، وغينيا الاستوائية، والفلبين، وفنزويلا، وفيتنام، وقطر، وكازاخستان، وكمبوديا.
أما عن الخسائر المباشرة الناتجة عن حصار الولايات المتحدة لكوبا في نهاية عام 2005 ( بملايين الدولارات الأمريكية ) قد كانت على النحو التالي :
- خسائر الدخل من الصادرات والخدمات 427.5 39
- الخسائر الناجمة عن نقل الأنشطة التجارية إلى أماكن أخرى 592.0 19
- الآثار اللاحقة بالإنتاج والخدمات 866.2 2
- الحصار التكنولوجي 483.2 8
- الآثار اللاحقة بخدمة السكان 565.3 1
- الآثار النقدية والمالية 640.2 8
- أثر سرقة الكفاءات 533.8 5
- الآثار الإجمالية المترتبة على الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة 108.2 86
وفي عام 2005، بلغ عدد البلدان المتأثرة بأحكام تطبيق الحصار السياسي ضد كوبا خارج الحدود الإقليمية 38 بلدا على الأقل. وارتفعت الغرامات المفروضة من مكتب مراقبة الممتلكات الأجنبية على مواطني الولايات المتحدة بسبب سفرهم إلى كوبا وشراء سلع كوبية بنسبة 54 في المائة.
أخذ جدار برلين ينهار في أوروبا الشرقية، وأخذ السوفيت يواجهون المشاكل في عقر دارهم. توجه ميخائيل جورباتشوف إلى كوبا لإبلاغ كاسترو بأن المساعدات السوفيتية ستشح في المستقبل. انهار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية أيضا. ومع هذا الانهيار وقعت كارثة لا يمكن التقليل من أهميتها، طالت كل شيء وكان تأثيرها على المعنويات كبيرا ولم ينج منها أحد.
وحيال مرحلة جديدة من النضال، وجد فيديل في فتح الأبواب الواسعة لاستقبال السياح والاستثمارات الأجنبية أمرا لا بد منه إذا أرادت كوبا الحصول على الحد الأدنى من العملة الصعبة اللازمة. تطلب ذلك جعل الدولار الأمريكي متداولا بطريقة مشروعة. أدى ذلك لسوء الحظ إلى خلق ظروف من التفاوت في الإمكانات المادية الآخذة بالتنامي رغم توفير الاحتياجات الأساسية والأولية من مواد غذائية وتربية وتعليم وعناية صحية لجميع المواطنين دون استثناء.واستمر العداء الكوبي الأمريكي حتى في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون المتساهل. ووصلت علبة سيجار من فيديل إلى البيت الأبيض، ولكنها سببت إحراجا سياسيا، فأبعدت عن الرئيس وكأنها تحمل فيروسا خطيرا.
ومنذ القطيعة مع الاتحاد السوفيتي السابق، طلبت كوبا من الصين العون لإيجاد بديل من النفط ومشتقاته. حينذاك قدمت الصين لكوبا مئات الآلاف من الدراجات الهوائية. اليوم، تشير الأرقام الرسمية إلى أن في كوبا أكثر من مليوني دراجة وخمسة مصانع لإنتاجها. وكيّف الكوبيون الدراجات الهوائية مع حاجاتهم: منهم من جعلها باصاً مدرسياً لنقل الطلاب، أو أضاف إليها مظلة وكرسياً وحوّلها وسيلة نقل سياحية للقيام بجولة في المدينة.
مصافحة كلينتون
كاد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يتعرض للتحقيق في شأن لقائه مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، لولا ان فريق عمله الذي كان يرافقه في قمة الألفية الثالثة في الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر 2000 م، انقذه، قبل ان يصبح شبح فيدل وكأنه شبح مونيكا لوينسكي.. وقصة لقاء كلينتون مع كاسترو يرويها الرئيس الأمريكي بنفسه فيقول: تم تحميل الحادثة أكثر مما تستحق، ضخّموها، محاولين استهدافي للمرة الثانية، وكأنه بذلك يوحي بقصته مع مونيكا لوينسكي المعروفة . كذلك الحال في قصته مع كاسترو بعدما صافحه، وهي المرة الاولى التي يصافح فيها رئيس أمريكي الرئيس الكوبي منذ أربعين عاما. وعنها قال كلينتون انه وقف لالتقاط الصور مع الرئيس الصيني جيانغ زيمين وسط عدد من القادة في القاعة الرئيسية للأمم المتحدة.. كنت اتحدث اليهم وعندما استدرت اذا بكاسترو واقفا هناك، كما لو انه جاء وانتظر، لكن المصافحة استغرقت ثواني معدودات فقط، هذا كل ما حدث.
هذه هي رواية كلينتون، لكن اللقاء الأمريكي الكوبي، على الرغم من قصره، اثار حفيظة البيت الأبيض واضطر لإصدار بيان يقلل من أهميته. لكن الطاقم المرافق لكلينتون خشي ان يتحول اللقاء مع كاسترو الى قضية كلقاء أو لقاءات كلينتون مع مونيكا، فلم توجه الدعوة لكاسترو لحضور مأدبة عشاء على شرف الزعماء المشاركين في القمة في مقر متحف متروبوليتان وكان كاسترو الوحيد الغائب عنها من بين حوالى مئة وخمسين رئيس دولة وحكومة، وقالت اوساط مطلعة ان كاسترو لم يشعر بأي حرج، كما شعر الامريكيون.
علاقات كاسترو الخارجية وضعته في تناقضات كثيرة وتغير العالم حوله لكنه صمد. فالجغرافيا وضعت الرجل بنظام حكمه الشيوعي على مرمى حجر من القوة العظمى الأولى أمريكا في عالم ثنائي القطبية مع الاتحاد السوفيتي السابق، دعك من رحيل جميع الزعامات التي عاصرها بدءا من الرئيس المصري جمال عبد الناصر والهندي جواهر لال نهرو ونهاية بالرؤساء أيزنهاور ونيكسون وجونسون وريغان من أمريكا، وخروتشوف وبرجنيف، وتشرننكو وأندروبوف من الاتحاد السوفياتي، وماوتسي تونغ وشوان لاي ودينغ هيساو بينغ من الصين، دعك عن تيتو وشاوسسكو وديجول في المحيط الأوروبي، وقد عاصر كاسترو جميع هؤلاء، ويرى البعض انه آخر الثوريين في العالم.. رفيق جيفارا وبطل الكفاح المسلح والثورة العالمية ويرى البعض الاخر فيه دكتاتورا يحكم جزيرة السكر والتبغ بالحديد والنار اما الكوبيون فقد ينتقدون رفاقه في الحكم ويحلم البعض بشواطئ ميامي.
اما الحديث عن فيديل كاسترو فهو شيء آخر.. الاكثرية ترى فيه رمزا كوبيا.. فهو لا يملك قصورا ويعيش كجندي في قصر الثورة وحين يتحدث معه رفاقه فإنهم ينادونه باسمه الاول دون ألقاب.. لم تفارقه روح النكتة ولا اللغة البليغة التي ينتقد فيها خصومه.. لذلك نفهم كيف ان ملايين الكوبيين يتجمعون في ساحة الثورة في اكثر من مناسبة ليستمعوا اليه سبع ساعات او اكثر دون ملل وهو واقف امامهم كالساحر متنقلا من موضوع الى آخر دون ان ينسى ادراج نكاته اللاذعة في هذه الخطب.
غزو الكويت حماقة
قيل ان كوبا وقفت مع العراق في غزوه للكويت وهو تحليل سطحي لبعض جلسات مجلس الامن آنذاك. لقد قدم العراق منحا وقروضا ومساعدات كبيرة الى كوبا قبل الحرب العراقية الايرانية وقد ساهم ذلك في اقامة علاقات متميزة الا ان الكوبيين لم يتزحزحوا قيد انملة عن سياستهم والاسس التي ترتكز عليها.. كان يهم صدام حسين ان يكون صديقا لفيديل كاسترو ولكن الزعيم الكوبي لم يكن بحاجة الى ذلك. وعندما اندلعت الحرب العراقية الايرانية اعتقد كاسترو انها مناوشات حدودية سرعان ما ينطفئ اوارها او انها تدور حول آبار النفط وعندما ايقن انها الحرب كان وقع ذلك صعبا عليه وكان يرى فيها دمارا هائلا للبلدين.. كانت كوبا ترأس آنذاك حركة عدم الانحياز وبذلت قصارى جهدها في ايقاف الحرب الا انها لم تفلح في ذلك وكان مقررا ان ترأس بغداد الحركة بعد انتهاء الفترة الكوبية الا ان الكوبيين رأوا في ذلك استحالة وانحيازا لا مبرر له وقد ذكروا ان بغداد لا تصلح مقرا لرئاسة المؤتمر طالما انها في حالة حرب.. وحدثت قطيعة كوبية عراقية لفترة وجيزة تنازل فيها النظام عن رئاسة الحركة رغما عنه. ظلت كوبا محافظة على علاقات جيدة مع الدولتين رغم صعوبة ذلك.
رأت كوبا في غزو الكويت حماقة كبيرة واذا كان ممثلها في الامم المتحدة قد اعترض على الحصار فلأن كوبا نفسها تعاني حصارا منذ مطلع الستينات.
وفي اواخر عام 1990 ارسلت كوبا وفدا رفيع المستوى الى بغداد في محاولة منها للانسحاب العراقي من الكويت وتجنب اذى كبير من جراء عدم الانصياع للمطالب الدولية.. كان نائب رئيس الوزراء آنذاك فرناندس يرأس الوفد (وهو الذي استولى على هافانا اثناء انتصار الثورة الكوبية وكان من اصدقاء ارنست همنغواي). وبعد اسبوع عاد من بغداد وقال انه ابلغ (الرئيس صدام) ضرورة الانسحاب لكنه لم يفلح في اقناعه.
وكثيرا ما كان كاسترو ينتقد سياسة صدام بشكل مهذب ، كان يقول مثلا اننا لا يمكن ان نهاجم القوات الامريكية في قاعدة جوانتانامو لاننا نعطي تبريرا لاحتلال الجزيرة.. اننا نقوم بدورنا الاممي في افريقيا وفي امريكا اللاتينية.
بعد تنظيم الثورة في كوبا قامت الحكومة الكوبية بتقديم المساعدات لدول العالم الثالث فأرسلت بعثات طبية إلى هذه البلدان بالإضافة إلى المنح الدراسية التي قدمتها إلى شعوب العالم الثالث، كذلك قامت كوبا بنصرة الدول المظلومة والوقوف بجانبها ومساعدتها عندما قامت قوات جنوب إفريقيا باحتلال ناميبيا طلبت الأخيرة مساعدة كوبا فأرسلت كوبا قواتها لمساندة ناميبيا واستطاعت تحريرها وقد قتل 2500 كوبي في هذا المعركة.
أولمرت أسوأ من شارون
عندما بدأت القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية في لبنان في يوليو 2006 كان كاسترو بالأرجنتين مشاركاً في مؤتمر التجارة لدول أمريكا اللاتينية وأجرت معه محطة التلفزيون الفنزويلية الحكومية لقاءً للتعليق على العمليات الإسرائيلية في لبنان، فقال: (يبدو أن الجناة هم من المجانين ويبدو أن المدعو أولمرت اسوأ من سابقه شارون).
ولكن كاسترو رغم كره واشنطن الشديد له بدأ يحوز على تعاطف العالم معه بشأن الحصار الأمريكي الذي استمر 45 عاما .
في قرارها 60/12 المعنون «ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا»، طلبت الجمعية العامة إلى الأمين العام أن يعد - بالتشاور مع الأجهزة والوكالات المختصة في منظومة الأمم المتحدة- ، تقريرا عن تنفيذ هذا القرار في ضوء مقاصد ومبادئ الميثاق والقانون الدولي، وأن يقدمه إلى الجمعية العامة في دورتها الحادية والستين العام 2006 .
وعملا بذلك الطلب، دعا الأمين العام الحكومات وأجهزة منظومة الأمم المتحدة ووكالاتها، في مذكرة شفوية مؤرخة 5 مايو 2006، إلى تزويده بأي معلومات قد تود الإسهام بها في إعداد تقريره.
وقد توالت الردود المتعاطفة معه، إذ رأى الاتحاد الأوروبي أن سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا قضية ثنائية أساسا. ومع ذلك، ما فتئ الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يعربون بوضوح عن معارضتهم لتمديد الولايات المتحدة الحصار المفروض خارج حدودها الإقليمية، من قبيل ما هو وارد في قانون الديمقراطية في كوبا لسنة 1992 وقانون هيلمز- بيرتون لسنة 1996.
أما روسيا فلم تحد عن موقفها منذ العام 1992 حيث تؤيد، في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، القرار المعنون «ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا»، ولا تحيد عن موقفها من عدم السماح باتخاذ تدابير انفرادية، خارج حدودها الإقليمية، في العلاقات الدولية. فأي تدابير من هذا القبيل في عالم اليوم ستحقق نتائج عكسية.
وقالت روسيا إنها مقتنعة بأن إنهاء الحصار وتطبيع العلاقات الأمريكية الكوبية من شأنهما أن يساعدا على إعادة الأوضاع السليمة المحيطة بكوبا، وأن يزيدا من مشاركتها في الجهود العالمية والإقليمية. وروسيا، شأنها شأن الغالبية العظمى لأعضاء الأمم المتحدة، تندد بالحصار وتنادي برفعه فورا. وقد أدلت جمهورية إكوادور بصوتها لصالح قرار الجمعية العامة 60/12، وستواصل إدانتها لتطبيق أي تدابير انفرادية ذات طابع اقتصادي وتجاري ضد كوبا.وترى حكومة جمهورية إندونيسيا أن تطبيق تدابير اقتصادية وتجارية انفرادية خارج حدودها الإقليمية يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. كما كررت حكومة أنغولا الإعراب عن تأييدها غير المشروط لإنهاء الحصار.
في حين قالت أوروجواي انها لا تعترف في تشريعاتها بتنفيذ قوانين أي دول أخرى خارج حدود تلك الدول. فهي ترى أن هذه الممارسات، إلى جانب مساسها بأحكام القانون الدولي المتعارف عليها، تشكل نوعا من الضغوط التي تعرقل الحوار ولا تيسره. وتقيم أوغندا علاقات تجارية طبيعية مع جمهورية كوبا ولا تشارك في فرض الحصار. وتؤيد كوبا أيضا أوكرانيا، وإيران وباراغواي والبرازيل، وبنما، وبنين، وبوتسوانا، وبوركينا فاسو، وبوروندي، وبوليفيا، وبيرو، وبيلاروسيا، وتايلند، وتركمانستان، وتركيا، وترينيداد وتوباغو، وتوغو، وتونس، وجامايكا، والجزائر، والجماهيرية العربية الليبية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الدومينيكان، والجمهورية العربية، السورية، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وجنوب أفريقيا، ورومانيا وزامبيا، وزمبابوي، وسان تومي وبرينسيب، وسان مارينو، وسري لانكا، والسنغال، و سوازيلند، والسودان، وسيشيل، وشيلي، والصين، وغامبيا، وجرينـادا، وجواتيمالا، وغيـانـا، وغينيا، وغينيا الاستوائية، والفلبين، وفنزويلا، وفيتنام، وقطر، وكازاخستان، وكمبوديا.
أما عن الخسائر المباشرة الناتجة عن حصار الولايات المتحدة لكوبا في نهاية عام 2005 ( بملايين الدولارات الأمريكية ) قد كانت على النحو التالي :
- خسائر الدخل من الصادرات والخدمات 427.5 39
- الخسائر الناجمة عن نقل الأنشطة التجارية إلى أماكن أخرى 592.0 19
- الآثار اللاحقة بالإنتاج والخدمات 866.2 2
- الحصار التكنولوجي 483.2 8
- الآثار اللاحقة بخدمة السكان 565.3 1
- الآثار النقدية والمالية 640.2 8
- أثر سرقة الكفاءات 533.8 5
- الآثار الإجمالية المترتبة على الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة 108.2 86
وفي عام 2005، بلغ عدد البلدان المتأثرة بأحكام تطبيق الحصار السياسي ضد كوبا خارج الحدود الإقليمية 38 بلدا على الأقل. وارتفعت الغرامات المفروضة من مكتب مراقبة الممتلكات الأجنبية على مواطني الولايات المتحدة بسبب سفرهم إلى كوبا وشراء سلع كوبية بنسبة 54 في المائة.